بكل بساطة لا أقدر على فراقه
بقلم أحد رواد المدونة
كما كتبتها صاحبتها نقدمها لكم. سيدة الحكاية: زوجة في أواخر الثلاثينات. تكتشف أن شريك عمرها لعشرين سنة عضو على موقع للتعارف على الأنترنت وأنه ينتظر فقط الفرصة المناسبة لتركها. تذهب على نفس الموقع وكمشتركة جديدة تراسله...
"أيتها الحسناء الغامضة، حان الوقت لتكشفي لي عن وجهك"
الرجل الذي يشاطرني حياتي منذ عشرين عاما واقع في غرام الحسناء الغامضة. الحسناء الغامضة، ما هي إلا أنا زوجته. الفرحة بكونه يحبني من جديد والخجل من خداعه والكذب عليه والخوف من انفضاح لعبتي واكتشافه الحقيقة. غضبي من هذا الرجل الخائن اختفى مع اشمئزازي من نفسي وما أضحيت عليه. أصبحت حياتي مزيجا متضاربا من الحماس والاكتئاب. فرحي بكل الكلمات التي أتلقاها منه على الموقع واحباطي من كل التجاهل اليومي الذي يعاملني به في البيت.
مع كل رسالة جديدة، يرقص قلبي بين أضلاعي وأذوب من الغرام كمراهقة أول مرة تعرف الحب. لا أنام، لا آكل، لا أعمل. لا مبال ومنغمس في حاسوبه طول الوقت، بالكاد يعلق على تصرفاتي الغريبة. أبرر الوضع بمشاكل أوجهها في العمل. يجيبني بنصائح سطحية وفي ذات الوقت يراسل حسنائه الغامضة أنه لم يعد يرغب بزوجته وأنه سيتركها عما قريب.
رزقنا الله بطفلين أو بالأحرى شابين الآن. أحدهما تزوج والثاني غادر للدراسة. على ثقة كبيرة وحب متبادل كنت أعتقد أننا من أسعد الأزواج. ظننت أن كل الأزمات وراءنا وأن كل الأمور ما يرام. كم كنت مخطئة في ظنوني...
ذات يوم ترك بريده الإلكتروني مفتوحا. أثار فضولي عدد الرسائل التي حصل عليها من أحد المواقع بالتحديد. بحثت عن الموقع واتضح أنه موقع للتعارف والزواج على الإنترنت. الأسواء من ذلك، اتضح أن حبيب عمري لديه حساب عليه ويراسل العديد من المشتركات. بل ويرغب بلقاء إحداهن مباشرة.
عندما اكتشفت كل هذه المحادثات، انقلب عالمي رأسا على عقب. عشرات النساء معجبات به وهو يحيطهن بكل العناية ويخاطبهن بكل الحنان. حنان كان من قبل موجها لي وحدي. أنا الوحيدة التي ينبغي أن تكون في حياته ولا أخرى غيري. الكلمات كانت موجهة لهن جميعا، قد دمر ما كان مقدسا بيننا. كانت تجربة مريرة. حتى الآن مجرد التفكير بها يشعرني بالألم. زوجي الصدوق كان يختلق لنفسه شخصية جديدة على الأنترنت. فجأة أصبح الرياضي الشاب ذو الهوايات التي لم أسمع بها قط، والشاعر والفنان الذي لم أره قط. اختفينا أنا والأطفال من حياته الوهمية.
هل هذا هو زوجي؟ المتلاعب المراوغ؟ الذي تسقط الفتيات في سحره الواحدة تلو الأخرى؟ كانت الغيرة تقتلني ولكن الحيرة أكثر. ماذا أفعل؟ السؤال الذي استعسر جوابه علي. أدخل على حسابه وأنهي كل علاقاته؟ أتصل بالفتيات وأتشاجر معهن وأكشفه على حقيقته لهن؟ أفضحه أمام العائلة ومع الأولاد؟ أواجهه وأخبره أني كشفت سرّه؟ أذهب وأفاجئه في موعده القادم مع إحداهن؟ أفكار عديدة ولكن الافتراق عنه لم يكن من بينها. على الرغم من خيانته وغدره قلبي كان مازال له. كل ما فكرت به هو أنني أريده لي فقط.
الحيرة والحزن والغضب ولكن لم أكن قادرة على اتخاذ أي قرار. الأسوأ لم أكن قادرة عن التوقف عن الدخول كاللصة وقراءة كل ما كان يكتب. أصبحت مهووسة بأساطيره أكثر منه. كنت أستيقظ بالليل لقراءة وإعادة قراءة غرامياته. لم أكن أستطيع التراجع للوراء. ولم أكن أرغب في أن أتحول إلى الضحية. للمرة الأولى في حياتنا كنت سأتحكم في كل الخيوط، وأسير الوضع كما يروق لي. وهكذا قررت إنشاء حساب على نفس الموقع والتحدث إليه من خلاله.
لم يكن التسجيل على الموقع بالأمر الصعب. من خلال نقرات أنشأت حسابا وخلال وقت قصير أتممت ملفي الشخصي. كان زوجي على رأس قائمة الأشخاص المناسبين لي حسب الموقع، كما تصورت تماما. ها هو من جديد قريب مني. الخوف والتردد والفرح. مجرد رؤية إسمه وصورته على الموقع كان يغمرني بالحماس. أصعب شيء كان كتابة الرسالة الأولى. ترددت لعدة أيام ولكني راسلته في النهاية. جمل بسيطة مع القليل من الخيال والكثير من الغموض، كنت أعرف الخليط الذي سيشد اهتمامه.
وأجابني... جاوبه كان ككل الأجوبة التي يقدمها للأخريات نفس الجمل نفس العبارات. تركته يصدق أنني واحدة منهن. توالت الرسائل بيننا. في بداية الأمر كنت حذرة وكان كلامي محسوبا ولكن مع مرور الوقت أصبح كلامنا أعمق. أتذكر أننا أمضينا مساءا بأكمله نتبادل الأطباق المفضلة والأغاني واللوحات والألوان والأفلام. صارحني أنه لطالما بحث عن إنسانة مثلي وأنه يرغب بالانفصال عن زوجته والارتباط بي. لم أستطع الجواب وانغمست في الصمت...
كان مسافرا عندما تلقيت رسالته الأخيرة. المفاجئ أنها كانت موجهة لبريدي الإلكتروني الحقيقي، يسائلني إن كنت الحسناء الغامضة. قد كشف أمري وسقط القناع وحان وقت المواجهة. الساعات التي سبقت رجوعه للبيت كانت رهيبة. كان غاضبا ولم يتقبل فكرة تواجدي على الموقع وإمكانية خيانته. كرامتي لم تسمح لي أن أعترف أنني ذهبت هناك فقط من أجله وأني لم أكلم أحدا غيره قط. أردته أن يشعر بما شعرت به. لم يتقبل أي تبرير. عاجزة عن مواجهته بالحقيقة، شاهدته يجمع حقائبه ويرحل.
في الأول مرت شهور من الصمت. في النهار كنت أذهب للعمل. بالمساء أعود لهوايتي المفضلة التلصص على حسابي زوجي. كانت أولى خطواته تغيير حالته الاجتماعية من متزوج إلى منفصل. الحنونات في الموقع بطبيعة الحال تعاطفن معه. كن يسمعن باهتمام مآسيه مع التي كان يعتبرها شريكته. كنت أتساءل إن كان فعلا يقابل كل تلك النساء. عمليا كان ذلك من الصعب نظرا لضيق وقته بعمله. لم أعد أبالي...
لن يعرف أبدا ما مررت به في فترة غيابه وكل ما كنت على استعداد لفعله لاسترجاعه. بعد ثمانية أشهر، اتصل بي وكان يرغب بالعودة. لم أسأل كيف أو لماذا. رميت كلمات المرور ومعهم فضولي وهواجسي. وضعنا الماضي وراءنا وعادت الحياة كأن شيئا لم يكن. من تجربتي هاته اكتشفت حقيقة وحيدة: نحن النساء لا نختلف عن بعضنا البعض في نهاية الأمر. جميعنا وعلى الرغم مما نقول، في أول فرصة تصادفنا نقع بكل سهولة في وهم فارس الأحلام. كل ما كنت أرغب به ألا يتركني مجددا وأن أعود يوما ما المفضلة في حياته.